من المقرر أن يعرض نتنياهو مشروع” يهودية الدولة “ على الكنيست. ولعل السؤال الذي يتبادر للذهن هو التوقيت الذي يحدده نتنياهو ومن يؤيدونه لإقرار ذلك وليصبح معمولا به. فكما هو معروف، فإن طرح هذا الاقتراح ليس جديدا إذ تعاقب عليه جميع رؤساء الوزارات الإسرائيلية طوال السنين الماضية بأسماء متعددة، بدءا من بن غوريون , وشارون وصولا إلى نتنياهو.
وفي الحقيقة كان ذلك على أجندة الصهيونية منذ أن وضع “هيرتسل” كتابه “ دولة اليهود “ 1895 ، قبل مؤتمر بازل المؤتمر اليهودي الأول بسنتين , وانتخاب هيرتزل رئيسا للمنظمة الصهيونية .
وعلى كل الأحوال، سواء تمت الموافقة عليه أم لا، لا بد من عرضه في الجلسات القادمة فقد” استوى العدس “ – كما يقال في أمثالنا الشعبية- فكل ما يجري من زحمة في المفاهيم والمشاريع والرؤى، يجعل نتنياهو يعود لأسطوانة الصهيونية بيهودية الدولة .ولعل خوف إسرائيل وأمريكا على مصالحها في الشرق الأوسط إضافة لتمسكها بحماية إسرائيل ما يعزز تحرك إسرائيل في هذا الوقت .
قد لا يمر المشروع وقتيا، لوجود من يعارضه مثل تسيبي ليفني، التي لا توافق عليه , كما في تصريحات سابقة، وتراه مناقضا لـ” الدولة الديمقراطية “ وهي كما تؤكد لا تعارض ذلك إلا أنها خائفة على “ ديمقراطية إسرائيل”.
كما أن مائير لابيد وزير المالية الحالي، يرى فيه أيضا ضررا لإسرائيل “ لدولة قومية “ خاصة أنه اعتمد رسميا العام 1992 , بأن إسرائيل “ دولة يهودية ديمقراطية “ . وهذا التضارب بالأفكار والمعارضة، عادة ما تكبر في إسرائيل وتستعمل بسبب خلافات داخلية بين الأحزاب خاصة وقت الانتخابات، وعادة ما تكثر المزاودات لكسب الرأ ي العام . إسرائيل لم تقف منذ تأسيس الدولة المستعمرة عن الإعداد وتربية يهودها على العنصرية والكراهية . و اليوم وصلت الذروة، وحان الوقت ليتحرك نتنياهو ويضع الخطة موضع التنفيذ إن أمكن .
المشروع الذي سيقدمه نتنياهو” يهودية الدولة “ يأتي لتطهير الكيان الصهيوني من الداخل , ومحاولة لتثبيت العنصر اليهودي الأخذ بالتفكك , والهروب بهجرات معاكسة . ويعني أن العرب في فلسطين المحتلة الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية لن تكون لهم أي حقوق في الدولة اليهودية مهما وصل عددهم الآخذ بالتنامي.
قيام إسرائيل المتواصل المسعور للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات قد بلغ ذروته. ولعل إقرار إقامة نحو 7 آلاف وحدة استيطانية جديدة في فترة زمنية قصيرة جدا منذ يونيو من هذا العام وارتفاع عدد المستوطنين إلى أكثر من 570 ألف مستوطن مسلح ما ينذر بجدية مشروع نتنياهو الجديد القديم. فمشكلة المستوطنات وبناء جديدها أو تسمين وتوسيع الموجود ما بات يقلق المجتمع الدولي , للأعمال غير الشرعية المستمرة .
إن تعقيد القضية الفلسطينية، و رغبة إسرائيل بالعودة للمفاوضات الفاشلة، لا يمكن أن تستمر , وإن طبقت إسرائيل يهودية الدولة، بدعم من أمريكا التي نادت وساندت هذه الخطة التي باركها بوش الابن 2000 وأكد على ذلك أيضا أوباما امام جمعية “الآيباك “اليهودية في أمريكا .
ويأتي حرص أمريكا على هذا الدعم الحالي والدائم, لتتكامل المصالح في المنطقة التي يعملان معا على توسيعها لـ” الشرق الأوسط الكبير” والذي يعيثان فيه فسادا. ولعل ما يجري اليوم من تصعيد وحشية إسرائيل بواسطة قطعان المستوطنين والاعتداء على الحرم الشريف، يشير إلى محاولة إسرائيل اغتنام فرصة “ الفوضى الخلاقة “ التي ابتدعتها أمريكا لتحقيق حلم المتطرفين في الاستيلاء على المسجد، بل هدمه وإقامة الهيكل المزعوم . إن ما يقوم به نتنياهو من صبِّ الزيت على النار يشي -بشكل كبير- ببوادر انتفاضة ثالثة لا بد منها لطرد المحتل، وهنا يكمن الحل، وليس في يهودية الدولة والمضي باحتلال وحشيٍّ لعين !