كما فعلت في كتابها بنات عمان أيام زمان تأخذنا د. عايدة النجار في رحلة ثانية أكثر اتساعا إلى عمان القديمة ثم ما آلت إليه على مرّ السنين حتى اليوم ” عمان بين الغزل والعمل”. قصص مفعمة بالحنين والدفء عن العائلات والبيوت والعمران ومظاهر الحياة المختلفة كيف كانت بالأمس وما انتهت إليه اليوم.

الرقي القديم والذوق الانيق لبيوت العائلات المعروفة المحاطة بالبساتين غابت وطغى عليها البناء التجاري والتوسع في العمران والأسواق وغياب الجمال، هذا حتى عاد الاهتمام مؤخرا لاحياء هذه الأماكن ووقف عمليات الهدم وترميم وصيانة البيوت الفخمة القديمة في شارع خرفان وجبل عمان وكذلك في جبل اللويبدة، وتحويل كثير من البيوت إلى مقرات ثقافية وفنية أو مطاعم مميزة وتحويل شارع الرينبو كله إلى ما أصبح عليه اليوم مقصدا لأهل عمان والاجانب في أجواء استعادت العراقة والخصوصية التي بدأت العاصمة تفقدها. وهذا ما حدث لوسط المدينة وطرقها واطاريفها وارصفتها وأعمدة الاضاءة مع إزالة غابة اللافتات والإعلانات العشوائية الملونة. هذه الإنجازات لأمانة عمان وبعض الشخصيات العمانية التي عز عليها اندثار الارث القديم انقذت الجمال والعراقة والخصوصية لكن.. في بؤر ضيقة محدودة من العاصمة التي توسعت إلى عشرات أضعاف حجمها القديم وزاد سكانها على أربعة ملايين نسمة يقطنون اسكانات وعمارات تمتد في أماكن جديدة بلا حدود ولا كيان ولا هوية ولا مرجعية وهكذا خارج الأماكن القديمة المستعادة وخارج بعض الأحياء الحديثة جدا والأسواق المصممة سلفا مثل البوليفار فان عمان لا يمكن أن توصف بصراحة بأنها مدينة جميلة.

لنضع جانبا هذا الشأن الواسع المتصل بالتخطيط والتنظيم والتصميم المسبق الذي لم يحصل للأحياء ومراكزها ونمط البناء والطرق والخدمات ونذهب إلى نقطة واحدة اثرتها أكثر من مرة وهي ” تلوين عمان ” فوسط البلد مثلا تم تنظيمه بصورة جميلة لكن واجهات الأبنية بقيت متسخة كئيبة ولو تم تنظيف الحجر ودهنه بمادة عازلة شفافة مع لون معين كالقرميدي وألوان اخرى فكم سيكون وسط المدينة جميلا وجاذبا، وكنت أصر باستمرار على وجوب دهان الجدران الاسمنتية البائسة المطلة من الجبال على محيط راس العين وفعلت الأمانة ذلك لكن بلون ترابي أو رمادي بائس مع أن المنظر يمكن أن يكون بديعا لو كانت بضعة الوان خريفية. ويمكن أن نقول نفس الشيء عن البنايات الحجرية على امتداد الشوارع التي امتدت من الثمانينيات والتسعينيات فهي الآن باتت متسخة كثيرا وقلة من يقومون بتنظيفها. ونمط نقشة الحجر المسمسم أو المفجر تبدو جميلة في البداية ثم تمتص الرطوبة والتراب والادخنة فتعود كريهة المنظر وما يفترض انه خصوصية عمان لا تشابهها مدن أخرى من حيث البناء الحجري يفقد كل جمال وخصوصية ولا يمكن الحديث عن عمان كمدينة جميلة ابدا.

لكن لنتخيل أي انقلاب سيحدث لو فرضت الأمانة بقرار الزامي ما يلي: دهان جميع الواجهات الاسمنتية كل أربع سنوات مثلا بلون معين متفق عليه ويقرره مهندسون ومصممون لجعل سفوح الجبال التي ينحدر عليها العمران الاسمنتي مشهدا رائعا من المكعبات الملونة. وبالنسبة للواجهات الحجرية تنظيفها الزاما مع حوافز تشجيعية لطلائها بمادة عازلة ملونة وفق ما تقرره الأمانة، وبالمناسبة فقد تم تطوير مواد عازلة للحجر من الرطوبة والاتربة تدوم سنوات ولنتخيل كيف سينقلب الطابع الحجري للبناء من المشهد المتسخ والكئيب الذي ينتهي اليه بعد عامين أو ثلاثة من البناء إلى مشهد أخاذ يجعل عمان من أجمل العواصم. لنفكر معا ونضغط من اجل مشروع تحويل عمان إلى مدينة جميلة.

جميل النمري

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment