الصحفي المناضل الفلسطيني محمد القيق المضرب عن الطعام منذ 78 يوما ، لا يزال محتجزا أو سجينا في مستشفى العفولة تحت قبضة إسرائيل .اعتقله جهاز أمنها الداخلي (الشاباك ) بتهمة انتمائه الى حركة حماس ، وكصحفي فقد رأته محرضا ضد الاحتلال . حياة القيق المعرضة للخطر لا تهم إسرائيل ، ولكنه بصموده يحرجها ويفضحها أمام العالم ولعله بمنع عائلته بزيارته ما يذكر العالم بالمناضلين الذين تنتقم منهم إسرائيل في سجون الاحتلال أو الشهداء الذين رحلوا متحدين الجلاد . ولعل هذا العدد من الذين يسقطون كل يوم برصاص العدو ، بالاضافة للمواجهات العنيفة التي يواجهها” المنتفضون “ في المسيرات الاسبوعية في عدد من القرى والبلدات التي رسمت طريقها للتعبير عن مناهضة الاستيطان والاحتجاج ضد الجدار ما يزيد من تفهم الرأي العام العالمي مدى التزام الفلسطينيين برفض الاحتلال ومحاربته بجميع أنواع المقاومة .
ولعل تسليط الضوء على الاسرى المعتقلين الذين يقبعون في الأسر الإداري ما يشير الى بشاعة الممارسات بحق الأسرى ومن بينهم الصحافيين . هناك أكثر من 700 أسير فلسطيني بلا محاكمة ومنهم من جدد له الاعتقال أكثر من مرة . هذه الممارسات غير الانسانية ورثتها إسرائيل وعن جدارة من الانتداب البريطاني الذي كان يقف بالمرصاد للصحافيين . فقد وضعت سلطة الانتداب القوانين والمواد الصارمة لردعهم ، ولعل التذكير بالمادة 19 من قانون المطبوعات سيئ الذكر 1933 ما يشهد على المعاناة التي لحقت بالصحفيين . وينص على معاقبة من يكتب المقالات التي “ تثير الشغب “ أو” المقالات النارية “. لقد كان عمل سلطة الانتداب إجراء التعديلات المتواصلة على هذا القانون ، ليس لتخفيف ما جاء في مواده ، بل لاعاقة عمل الصحافيين . قامت بتعديلات على هذا القانون حتى عام 1945 عدة مرات :1936- 1937 ، و1939 ، و1942 . ولعل وصف السلطات البريطانية بأوصاف لا تليق بالمناضلين وتصديهم للاستعمار ما يدل على أن الاستعمار يعيد نفسه ضد الشرفاء بمواقع وأزمنة مختلفة . فقد وصفت السلطات البريطانية الصحفيين “ بالاشخاص الملقحين بفيروس الشغب الذي يشجع الاستياء بالنزوع نحو الحدث ، وأيضا قوة سريانه “ ( عايدة النجار , ص 308 ، صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن : 1900- 1948 ) .
من هذا المنطلق فقد أصاب اسرائيل فيروس الكره للصحافيين بالاضافة لفيروس الانتقام ، لأن بريطانيا فشلت في فهم الصحافيين بأنهم كانوا جزءا من الشعب ، وأن صحفهم أو وسائل إعلامهم ما هي الا التعبير عن لسان حال الجماهير المقاومة للاستعمار . ولأن الصهيونية كانت تعمل لسرقة الأرض تحت الانتداب فهي اليوم تقوم بنفس التجاهل وأيضا بأساليب الانتقام من الصحافيين مثل الانتقام وتعذيب محمد القيق الذي تزيد من معاناته وهو مقيد في فراشه ترفض نقله لمستشفى في رام الله للخضوع للفحوصات . اسرائيل ماضية بأساليبها القمعية تتجاهل الشارع الفلسطيني ، ومنظمات حقوق الانسان ومراكز الصحافيين في العالم والحراك الشعبي ، وبوقاحة المستعمر تلوّح بالعودة للمفاوضات مع الفلسطينيين ، فهل هناك أكثر من هذا وقاحة في عدم فهم معنى الالتزام وحب الوطن ؟