منتدى الرواد الكبار يستضيف عايدة النجار في برنامجه ‘تجربة في كتاب’

عمان ـ ‘ القدس العربي’ يظل كتاب ‘ بنات عمان أيام زمان: ذاكرة المدرسة والطريق’ لمؤلفته الدكتورة عايدة النجار يلامس شغاف العمانيات العتيقات، كما يداعب خيال بناتهن وحفيداتهن محاولات استعادة عمان ‘ زمان’، وكانت ذاكرة وألسنة الحضور تصدر همهمات وهمسات، بل وتذكيراً بمفردات وأسماء كثيرة، تضج بقاعة منتدى الرواد الكبار التي ازدحمت بالحضور ـ ومعظمه حضور نسوي – الذي استضاف المؤلفة في إطار برنامجه ‘ تجربة في كتاب’ للحديث عن كتابها ‘ عمان أيام زمان’، بمشاركة د.سلطان المعاني ناقدا، أدارها الشاعر عبدالله رضوان المدير التنفيذي للمنتدى، فيما قدمت رئيسة المنتدى هيفاء البشير كلمة ترحيبية معلنة استئناف ممارسة النشاط الثقافي بعد العيد، مؤكدة أن استضافة النجار والمعاني تأتي في ‘ سياق الحديث عن التجربة، وعن سيرة مدينة نحبها، ونحيا فيها’.

تجربتي الأدبية في هذا الكتاب

وبينت النجار أن سعادتها تنبع من كونها استطاعت التواصل مع القارئ نيابة عن بنات عمان… أيام زمان، خاصة وأنها أسعدت كثيراً من البنات وكأنهن شاركن في الكتابة واسترجاع الذاكرة التي بدأت بالتلاشي.

كما فوجئت النجار باهتمام الجيل الجديد من الشباب والشابات، كونهم قرؤوا الكتاب وسعدوا به، وهم يتعرفون على حياة الأمهات والجدات والمجتمع أيام زمان، بل واهدى كثير منهم نسخاً من الكتاب للأم والجدة.

وكانت سعادتها غامرة. تمكنت من الاعتراف بجميل معلماتها ومدرستها وعمان التي أصبحت شابة جميلة ناضجة، وجاء في تعليق احد القراء، انه ‘ ممتن للمؤلفة شخصيا لأنها ذكرت جهد والدته المعلمة أيام زمان والتي لم يذكرها احد من الجهات الرسمية مع المعلمات والرائدات’.

النجار: بنات المدرسة هن ‘ البطل’

وبينت المؤلفة في مستهل حديثها أن كتاب ‘ بنات عمان أيام زمان: ذاكرة المدرسة والطريق’ عنوان واضح لما جاء في ثناياه. فهو يسترجع صورة عن ذاكرة المكان والإنسان أي عن ‘ عمان وناسها’، وان كانت بنات المدرسة هن ‘ البطل’ داخل المدرسة وفي المدينة حيث تتقاطع الأسواق والشوارع والمكاتب والمستشفيات والدور والمعالم العمرانية والحضارية.

واستعادت النجار ما قالته في مقدمة كتابها: ‘ للأمكنة منزلة خاصة لديّ كالمدرسة، وهي إحدى الأماكن التي أحببتها منذ الطفولة كالبيت والوطن. وهذا يكفي للإجابة على سؤال طرح عليّ كثيراً، لماذا هذا الكتاب؟ وأضيف أن الحنين للماضي هو من سمات الطبيعة الإنسانية. عندما نترك المكان أو يتقدم بنا العمر نبحث عن الصور الجميلة في سن الشباب.’

ونوهت النجار إلى أن ‘ المدرسة مكان مشترك بين أكثر الناس الذين درسوا على مقاعدها في مراحل حياتهم الدراسية التي تبدأ فيها سيرهم الذاتية. وبهذا المفهوم تصبح هناك خصوصية للمكان وناسه لأنه يؤثر ويتأثر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل مجتمع. ولذلك نرى طلاب مدارس اليوم غير طلاب وطالبات جيلنا في الخمسينيات من القرن الماضي لاختلاف العوامل التي أثرت على عقد الخمسينيات’.

كما جاء في الكتاب وصف لعلاقة عمان المدينة، والمدرسة والطريق إليها بشكل متداخل مع الحياة الاجتماعية والثقافية، ووصفت المؤلفة مدرستها ( أروى بنت الحارث) التي درست فيها جزءاً من المرحلة الابتدائية، وكان موقعها في شارع خرفان في جبل عمان أي ‘ عمان الجديدة’ آنذاك. كان بناء المدرسة مستأجرا من آل شقير، والبناء عريق بني في مطلع القرن العشرين على الطراز الشرقي وعاشت فيه العائلة الممتدة من الأب والأم والزوجات والأخوات والأخوة ‘ والسلفات’ ويتكون من ثلاثة طوابق. وكان معمولا ً بهذه العادات الاجتماعية من الجميع قبل أن تتغير العادات وتستقل كل عائلة في بيت منفرد.

كان الوصول للمدرسة مشياً على الأقدام، بعد طلوع ونزول الأدراج المتعددة في الطريق إليها من الجبال الأخرى مثل درج مانكو ودرج اللويبدة والكلحة ودرج عصفور ودرج المهاجرين الذي يصل شارع خرفان بشارع المهاجرين، وفيه الجامع الحسيني وكان الطلوع والنزول عليه إجباريا لمن يسكن في رأس العين بجانب السيل وأكثرهم من الشركس. كانت قلة من البنات تصل بالسيارات الخصوصية لقلتها في عمان.

واستذكرت وقفة البنات ‘ أمام الدكاكين في السوق المكان الذي فيه ملامح المدينة العتيقة وأهمها سوق البخارية والبلابسة الشعبي وسوق اليمانية لشراء المسابح والدبابيس والخواتم الرخيصة، والبضاعة الشعبية التراثية’، فضلا عن مرورهن ‘ من جبل عمان كانت البنات تمر عن بيوت حجرية جميلة وان كانت قليلة، فيها بيت البلبيسي، والقاسم، ومنكو، والمفتي، والتلهوني، ونفاع، وعودات وغيرها. ويقفن عند بيت الشريف زيد للتمتع بجمال الحديقة، وبيت عارف العارف المؤرخ الفلسطيني الشهير الذي هرب للأردن من ملاحقة سلطات الانتداب لمواقفه الوطنية’.

كما حضرت مدرسة زين الشرف الثانوية، التي انتقلت إليها البنات في المرحلة الثانوية، أقيم البناء خصيصاً ليكون مدرسة عصرية، في بستان أبو شام الأخضر بأشجاره العالية مقابل الكلية العلمية الإسلامية والدور القليلة هناك، ومنها مبنى البرلمان الذي أصبح متحفاً تاريخياً ـ في الوقت الحاضر- وبيت شعشاعة، وحداد، وقبل أن تتزايد البيوت الحجرية لتصل إلى الدوار الثالث’.

وحضر موقف الباص ( رقم 3) الذي ظل في ذاكرة البنات وهن في الطريق إلى زين الشرف. فقد كن يتسابقن لولوج الباص لتجلس المحظوظة في الكرسي الأمامي، الذي يوفر فرصة لاختلاس النظر إلى الطلاب من خلال المرآة الكبيرة المثبتة أمام السائق. وكان الإعجاب البريء الرومانسي من بعيد سمة العلاقات بين الولد والبنت.

ولم تنس النجار: ‘ توقفت البنات عند محل جبري للكنافة في السوق وتناولن الطعام في مطعم اوتوماتيك على السطوح، ومررن من أمام قهوة ( النيل) التي يجلس فيها الرجال فقط’.

وبينت النجار ما قرأته بنات الخمسينيات، إذ قرأن ‘ جين اير’ لشارلوت بروتني، و’ مرتفعات وذرينغ’ لإميلي برونتي، و’ ذهب مع الريح’ لمارغريت ميتشيل، و ‘ نساء صغيرات ‘ للويزا إيلكوت، وشاهدنها في أفلام أجنبية ليتعرفن على العالم الغربي وتقاليده قبل أن يسافرن إليه للدراسة. قرأت البنات مجلات ‘ روز اليوسف’ وتابعن القصص الرومانسية لإحسان عبد القدوس ومنها ‘ في بيتنا رجل’ و’ النظارة السوداء’ و’ الوسادة الخالية’ و’ لا أنام’ و ‘ أنا حرة’، كما قرأن مجلة ‘ صباح الخير’، وسلسلة ‘ كتاب’ ومجلة ‘ الآداب’. وشاهدن الأفلام المصرية التي عرضت في دور السينما المتعددة: البترا، والأردن، والفيومي، والخيام، وشاهدن أفلاماً لفاتن حمامة، وشادية وصباح، وعماد حمدي، وعبد الوهاب وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأنور وجدي، ومحمود المليجي، وضحكن على نكات إسماعيل ياسين وشكوكو. هذه الأغاني التي أصبح ذلك الجيل يحن لها ويسميها ( الطرب الأصيل).

كما شارك الطلاب والطالبات بالكتابة لمجلة ( صوت الجيل) التي صدرت عن مدرسة اربد الثانوية ( 1949) وقد أصبح عدد كبير منهم شخصيات مرموقة في المجتمع. وكتب الأولاد والبنات في زاوية ( صوت الطلبة) في صحيفة ‘ الجهاد’، و’ الدفاع’، و’ الحوادث’ الأسبوعية، وقد بدأت كتاباتي الصحفية والأدبية من هناك.

واستعادت العلاقات بين البنات بالصداقة والمحبة، اللواتي سجلن عبارات جميلة في ( الاوتوغراف) الذي كان رائجاً وقتها، وكان يباع في مكتبة ‘ بحوث’ ومكتبة ‘ الاستقلال’. وكذلك أخذن الصور التذكارية مع بعضهنّ بعضاً عند مصور متخصص مثل ( استوديو لندن) في السوق مقابل موقف الباص. وصورة غلاف الكتاب لي ولصديقتي أخذناها عام 1953 في ذلك الأستوديو الذي لم يعد له مكان. وأصبحت أماكن التصوير كثيرة ومتخصصة وتعمل بأحدث الآليات لتغير الصورة وتجملها بشكل لا يشبه الصورة الأساسية.

كما شاركت البنات في المظاهرات الوطنية، وكانت في طليعتها مظاهرة عام 1953 للاحتجاج على الاعتداءات الإسرائيلية على ( قرية قبيا) وكان تعليق والدتها على مشاركتها وقيادتها المظاهرة بالقول: ‘ بنتي بتسوى ميت زلمة’.

وتستذكر تفاصيل لبس البنات الفساتين البيضاء في حفلة التخرج من المدرسة، كما لبسن الكعب العالي وكلسات النايلون لأول مرة مع استعمال البودرة والحمرة، وتسريح الشعر عند الكوافير. كما تمتعن بالتعطر بروائح فرنسية شانيل نمرة (5) وشاليمار.

ووثقت اسماء مديرات ومعلمات في الذاكرة، ومنهن: أميرة الشريقي، حورية الزعيم، شاز أبو تايه الحسيني، سلوى عبد الهادي، وسميّ شارع باسم أميرة الشريقي في جبل عمان ولا شك انها تستحق ذلك، إذ ظلت تقول حتى مماتها: ‘لو سألوني أو خيروني وأنا في هذه السن أي عمل أفضل لكان جوابي هو أن أكون معلمة’. ومن المعلمات سعاد أبو الهدى، فدوى الدجاني، فاطمة ملحس، وشهيرة كيالي، صفية الريحاني، رقية جردانة، نجاح الجمل، نعمت النابلسي، ماجدة المفتي، جانيت المفتي، سميرة النجار، الين النمري، شذية المفتي، سميحة عبدة، فاليريا شعبان، وجيهه العوري، رغدة منكو، الين معشر، بثينة جردانة، ليلى الكيلاني وغيرهن.

المعاني: الكتاب توليفة

متناسقة سيرة الذات والآخر

واعتبر الناقد د.سلطان المعاني في قراءته للكتاب ‘ أن ما نهضت به الدكتورة عايدة النجار يقر في النفس والوجدان، أركانه عمان الحبيبة، وسيدات عمان اليوم، من بنات الأمس، وقد خط المشيب علامات الوقار والكدح والإنجاز. والكتاب فوق ذلك توليفة لطيفة بين السيرة الذاتية والغيرية والمكانية’، منوها إلى ‘ أن النسيج المجتمعي في المدرسة هو نتاج الواقع العماني آنذاك، فقد كان في الصف تنوع جميل من الجنسيات الشركسية والفلسطينية والسورية والأردنية، وفي ذات التسامح كان درس الدين مراداً للفتاة المسيحية مثلما هو مطلب للفتاة المسلمة، لينعكس الجو المتصالح والواعي في تلك الفترة مع الدين والجنس’.

ونوه المعاني ‘ نحن إذ قرأنا الكتاب واحتفينا به.. لم تسكنا الدهشة، قدر ما تسربل الحب و( عباءات الفرح).. فعمان اعتذارنا لكل الذين فقدوا الأمان.. فلطالما أقالت العثرات، وبددت الخيبات.. إنها أول أبجديتنا في درس عناق الأرض’. خصوصا وأن حكاية كتاب ‘ بنات عمان أيام زمان’ تدور في فضاء مكاني له مداه المؤطِّر، يتمركز في عمان، ويطوف بين القدس شقيقة عمان والزرقاء جارتها.. وهي ‘ ذاكرة المدرسة والطريق’ في خمسينيات القرن العشرين. ويباغتك الكتاب ببوح شفيف يسعف الروح.. ويشعل جذوة الشوق.. يتكئ على رائحة ذكريات فواحة العبير.. عن المدرسة والطريق إليها.. يتجرأ على الدخول إلى ذاكرة صاحبته وأقرانها وقتذاك.. وتسعفك رشاقة الكلمات والجمل باستباحة روح الفرح والحنين الممتلئ بالحب، ذاك الدثار الحميم الذي سافرت النجار بروحها خلاله إلى تلافيف عمان الجميلة.

يحوم الكتاب حول فن السرد القائم على الحكاية، والتي تقترب من كل الأشياء حولها، الأقران والمكان والذات.. وقد نظمت عايدة النجار في توليفة متناسقة سيرة الذات والآخر، فجاء السرد شموليا في مجالاته، اتكأ الذاتي والغيري فيه على المدينة عمان، فانسحب الذاتي الاجتماعي على المكان والأقران ما منح المؤلفة فرصة البوح الشفيف الصادق بلا لجلجة ولا تردد… فهو سيرة الجماعة أيضاً، فعايدة النجار تتحدث عن نفسها في استذكارها قريناتها وأقرانها والأحداث التي عايشوها، وتعكس صورتهم وهي تتناول جانبا ذاتيا خاصا عايشته وتأثرت به، وهذا مدخل آخر جميل، قاوم في النفس ترددات النكوص عن السرد الذاتي في بعض المسكوت عنه في السيرة الذاتية العربية.

عن د.عايدة النجار

جدير بالذكر أن عايدة النجار حاصلة على درجة الدكتوراه، من جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1975 بتخصص ‘ وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري والسياسة’، أما الماجستير فكانت بعنوان ‘ صحافة وتنمية’ من جامعة كانسس في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن حصولها على شهادة ليسانس في تخصص علم اجتماع من جامعة القاهرة.

وعملت النجار في برامج الأمم المتحدة للتنمية على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، إضافة إلى عملها كخبيرة وباحثة مع مؤسسات الأمم المتحدة المتخصصة في القضايا الإعلامية والاجتماعية وقضايا المرأة والتنمية، إلى جانب عملها في العديد من الوزارات في الأردن.

وفاز كتابها ‘ بنات عمان أيام زمان’ بجائزة أفضل كتاب عربي في البحرين، علاوة على أنها نالت جائزة جامعة فيلادلفيا لأحسن كتاب في العلوم الإنسانية، كما حازت شهادة تقدير من وزارة الثقافة.

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment