قوبل كتاب ‘القدس والبنت الشلبية’ للباحثة د.عايدة النجار الصادر هذا العام 2011 بحفاوة بالغة، تماما كما قوبل كتابها ‘بنات عمان أيام زمان.. ذاكرة المدرسة والطريق’ بحفاوة بالغة في مجتمع العمانيين والعمانيات.
وحظي الكتاب الأخير ـ كسابقه- بندوات عديدة، كنوع من الاحتفاء بالكاتبة والكتاب، أخرها أقيم مؤخرا في النادي الارثوذكسي في العاصمة عمان، وبدعوة من (نادي انروييل ـ عمان)، أستذكرت الدكتورة النجار مدينة القدس وحياة أهلها الفلسطينيين العرب من مسلمين ومسيحيين في النصف الأول من القرن العشرين، وقبل الشتات. وقد اعتمدت على المعلومات الموثقة في كتابها الصادر مؤخرا عن دار السلوى للدراسات والنشر 2011 (القدس والبنت الشلبية).
وفي حشد نسائي مميز قدمت السيدة عبلة السقا، رئيسة (نادي انروييل ـ عمان) الكاتبة، مستذكرة كتابها (بنات عمان أيام زمان )2005، والذي يستذكر مدينة عمان وناسها بحميمية، حيث عادت فيه إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما كانت عمان المكان الجديد والإنسان النشيط.
ولعبت المرأة منذ ذلك الزمان دورا في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تسير بتقدم دائم. كما ذكرت كتابها الذي نال عدة جوائز ‘صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن1900-1948. ولفتت السيدة جاكلين فاخوري عضو النادي، إلى تجربة الكاتبة العلمية والحياتية والمهنية التي ساهمت في مقدرة الكاتبة على العطاء المتواصل من أجل إبقاء الذاكرة حيّة للأجيال القادمة.
مدينة القدس المكان والإنسان
واستعادت الدكتورة النجار ما كانت القدس عليه قبل نكبة 1948، ونشاط أهلها الذين كانوا يعملون لتقدم البلد ونمائه رغم الانتداب البريطاني الغادر الذي أصدر وعد بلفور ووعد اليهود بدون حق ‘بوطن قومي لليهود’ على حساب أهلها العرب من مسلمين ومسيحيين الذين لعبوا دورا كبيرا في تطور الحياة والمشاركة الفاعلة لبناء الوطن السليب.
ووصفت المحاضرة صورة مدينة القدس المكان الذي له خصوصية داخل المدينة العتيقة والحياة الاجتماعية التي شكلت نمطا ثقافيا في البناء والملبس والمأكل والتعليم والعلاقات بين الناس، والعادات والتقاليد. واسترجعت صورة البيوت الفلسطينية داخل السور وخارجه والتي تتميز بالحجر الذي له أسماء ‘المسمسم، والملطش، والطبز’ وقد بنيت بأيدي العمال الفلسطينيين المهرة وبحجارة اقتلعت من أرض فلسطين الطيبة. ووصفت كيف توسعت المدينة إلى خارج السور، حيث ترك الكثيرون إلى منازل جديدة أوسع وفي أحياء جديدة مثل القطمون والبقعة والشيخ جراح والثوري وغيرها، ورغم ذلك احتفظ أهل القدس بدور الآباء والأجداد العتيقة التي ظلت عامرة بالأجيال المتتالية لأن القدس العتيقة لا مثيل لها بين المدن. فهي ليست مدينة من حجارة وأزقة وأقواس، وأسواق وزوايا وحمامات ومدارس وقصور وأضرحة وأحواش وأسوار لها أبواب تاريخية كانت تخاف على المدينة من الغزاة والطامعين بها، بل المدينة مقدسة بالإضافة أن فيها عبق التاريخ وحضارة متعددة الجمال تشهد عليه العين والذاكرة اليوم رغم ما لحقها من أذى وتغيير تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولعل ميزتها الدينية داخل الأسوار التي تضم الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية لهي أكبر شاهد على عمق الارتباط الروحي، خاصة وصوت أذان المساجد والمسجد الأقصى تمتزج مع أجراس كنيسة القيامة المجيدة التي يؤمها الناس من جميع أنحاء العالم للحج والبركة.
واستحضرت الدكتورة النجار العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي كانت تربط الأمكنة في القدس وإعطاء أمثلة عن روائح الأطعمة المتسللة من نوافذ المطابخ والتي كانت تشي بنوع طعام ذلك اليوم’ كالملوخية أو المحاشي ورائحة زيت السيرج الذي اشتهرت به القدس، أو رائحة السفيحة الارمنية المعبقة بالثوم والفلفل الحار المنتشرة في حارة الأرمن. ولعل بائع الكعك بسمسم كعك القدس المشهور يضيف للحياة الاجتماعية خصوصية وصوته ينادي على احد الأطعمة التراثية التي ظلت في ذاكرة الأجيال. شاركت بعض المتداخلات بإعطاء أمثلة من روايات الأمهات والجدات، والحنين للقدس أيام زمان. بالإضافة فحركة أولاد الحارة كانت تضفي حياة وخصوصية وهم يلعبون ويتنافسون بالكرة حتى مغيب الشمس. حركت الصور القديمة ذاكرة الحضور ومقارنة ما يجري في القدس اليوم من تخريب تحت الاحتلال وحرمان الأطفال من حقوقهم في اللعب والنمو الطبيعي. وذكرت أن الصور الكثيرة التي يحتويها الكتاب من أمكنة وناس لهي خير دليل ومادة ثمينة للمقارنة بين الأمس واليوم عن حياة الشعب الفلسطيني الحيّ رغم ادعاءات إسرائيل أن ‘فلسطين كانت مستنقعات فاسدة’ قبل احتلالها. وكانت ‘أرضا بلا شعب’. وتبادلت النجار المعلومات عن طبيعة الأرض الفلسطينية الزراعية الخصبة وجمال الريف الفلسطيني وثرائه بالزهور البرية التي يتجاوز عددها الـ500 نوع بالإضافة لأشجار الزيتون المعمرة التي تقتلعها إسرائيل اليوم لبناء المستوطنات عليها.
دور المرأة الفلسطينية الشلبية في الحياة الاجتماعية
ووضحت الدكتورة النجار أن هذه التسمية ‘البنت الشلبية’ والتي معناها المرأة الجميلة، اقتبستها من مفردات المقادسة، الذين يستعملونها أكثر من المدن الأخرى لتضفي خصوصية عليها وكانت هند الحسيني مؤسسة دار الطفل الذي أوت فيها أطفال دير ياسين تستعملها بكثرة وتحن لأيام زمان وتروي القصص المتعلقة بالمرأة والعائلة.
وركزت النجار على إبراز دور المرأة الفلسطينية ومسيرة نهضتها ودورها في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والمشاركة برفض وعد بلفور والاستعمار الانجلو صهيوني. كان دور المرأة ايجابيا رغم بعض العادات والتقاليد التي كانت تكبلها. قامت بدورها التقليدي كزوجة وأم وربة بيت. بالإضافة فقد سعد الحضور باستذكار العادات والتقاليد عند مولد البنت والولد وبعضها لا يزال معمولا به حتى يومنا هذا ومنها التفرقة بين البنت والولد والفرح باستقبال الولد الذي سيصبح رجلا يحمل اسم العائلة.
التعليم والنشاط الأدبي والمهني
كما نوهت الدكتورة النجار باهتمام أهل فلسطين والقدس بالتعليم حيث كان أبناء القرى والمدن الفلسطينية الأخرى يؤمون القدس للدراسة في مدارسها العريقة ومن مدارس الأولاد الإبراهيمية والرشيدية وروضة المعارف والكلية العربية التي خرجت أبرز رجالات الأردن وفلسطين، بالإضافة لمعهد الحقوق في القدس. وتعلمت بنات القدس وفلسطين في دار المعلمات ليصبحن معلمات، المهنة التي كانت مقبولة للبنات، كما أتقنت بنات فلسطين والقدس اللغات الأجنبية ودرسن في مدارس أجنبية منها الشميت، والمدرسة الانكليزية والفرير والسلزيان، وكان بعضها مدارس داخلية.
وحظيت بنات المدارس الحكومية بدراسة اللغة العربية السليمة من مناهج قوية وضعها السكاكيني مع نخبة من المعلمين الاكفاء الذين درسوا في الخارج. ومن أبرز مدارس البنات الحكومية مدرسة المأمونية في باب الساهرة التي لا زالت لليوم الافضل رغم الاحتلال.
واستعادت النجار أسماء نساء فلسطينيات رائدات ومبدعات سجلن اسمهن في التاريخ منهن: اسمى طوبي ونجوى قعوار وسميرة عزام وعنبرة سالم الخالدي ومتيل مغنم وكيتي انطونيوس، بالاضافة للرائدات في الصحافة ماري شحادة التي كتبت في جريدة زوجها بولس شحادة ‘مرآة الشرق’، وساذج نصار التي برزت في جريدة زوجها نجيب نصار (الكرمل) ولعبت دورا سياسيا بين النساء.
وأضافت المحاضرة الدكتورة النجار مستندة على كتابها ‘القدس والبنت الشلبية’ أن المثقفين والصحافيين شاركوا بالكتابة حول قضايا المرأة ومنها الحجاب والسفور والحياة الزوجية والتعليم والعمل والاختلاط.. بالاضافة فقد عملت النساء قبل النكبة في الإذاعة في برامج المرأة والطفل وفي قراءة نشرة الاخبار وأبرزهن فاطمة البديري. وشاركت المرأة القروية في العلم والتعليم وظهرت نشيطات رائدات بينهن عريفة النجار من قرية لفتا التي درست في مدرسة السلزيان. كما برزت بين النساء مواهب موسيقية وفنية.
العمل السياسي وأول مؤتمر لنساء فلسطين 1929
شاركت النساء في العمل الاجتماعي واغاثة الفقراء منذ العشرينيات ووجد عدد من الجمعيات الخيرية المسيحية والإسلامية في القدس ويافا وحيفا ونابلس ورام الله وبيت لحم وغيرها وقمن بأعمال تدل على وعيّ ونهضة نسائية. وفي عام 1929، تطور هذا النشاط ليصبح مسّيسا بعد هبة البراق، التي حاول اليهود الادعاء بأن البراق لهم ويسمونه ‘حائط المبكى’. وسقط شهداء دفاعا عن المقدسات الإسلامية بينهم نساء. وشهدت القدس نقطة انطلاق النشاط النسائي السياسي، حيث عقد أول مؤتمر لنساء فلسطين.بحضور النساء من جميع المدن. واجتمعن في بيت طرب عبد الهادي زوجة عوني عبد الهادي، السياسي الوطني، وشكلن لجنة برئاستها واتخذن قرارات حملنها الى المندوب السامي، وإحداها رفض وعد بلفور. وقابلن المفتي الذي شجعهن على العمل العام الوطني. كما شهدت القدس مظاهرة النساء اللواتي تجولن في 80 سيارة جابت شوارع المدينة والرجال يرشقوهن بالزهور. واستمرت النساء بالعمل الوطني، إذ لم يعق الحجاب النساء من السفر للقاهرة عام 1938 لحضور أول مؤتمر في التاريخ لمناقشة القضية الفلسطينية برئاسة هدى شعراوي زعيمة المرأة المصرية. واستمرت النساء بالعمل السياسي بتشجيع بعض الرجال المتنورين. ومن خلال الجمعيات النسائية والاتحادات. ولا زالت المرأة الفلسطينية تخوض معركتها مع العدو الصهيوني.
وترى الدكتورة النجار، بأن مشاركة المرأة الفلسطينية الشجاعة اليوم وأسرها ما هو إلا دليل على مواصلة نضالها إلى أن تتحرر فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضها وعاصمتها القدس الشريف.
وتحمل النجار درجة الدكتوراة (Ph.D) من جامعة سيراكيوز/ نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (1975) في (وسائل الاعلام والاتصال الجماهيري- والسياسة).
صدر لها كتاب (صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن 1900- 1948) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005. حاز الكتاب على جائزة أفضل كتاب عربي في مسابقة( الأيام) الصحافية (البحرين) المصاحبة (لمهرجان الأيام الثقافي الثالث عشر)، 2006، كما حاز الكتاب ذاته على جائزة جامعة فيلادلفيا (الأردن) لأحسن كتاب في العلوم الإنسانية للعام 2005، وعلى شهادة تقدير من وزارة الثقافة الأردنية. كما قوبل كتابها ‘بنات عمان أيام زمان.. ذاكرة المدرسة والطريق’ بحفاوة بالغة في مجتمع العمانيين والعمانيات.تماما كما قوبل كتابها الأخير ‘القدس والبنت الشلبية’ 2011.