نحن العرب نعيش هذه الأيام مرحلة ضياع، في واقعنا المتخبط، والمشاركة في صنع هذا الضياع والمفاجآت التي تسيطر على الساحة العربية . يتفاعل البعض بمواقف انفعالية تثير الزوابع التي تحجب الرؤية لأنها لا تستطيع تحديد الضوابط العقلانية التي تساعد على الاخذ للطريق السليم. الزوابع اليوم تشتد ودون مقدمات فالأعداء يصبحون أصدقاء حميمين، والسلام الذي نحلم به يصبح سراباً، والجامعة العربية تزول دون وداع وهي تدفن قراراتها التي لم تنفذ ولم تحترم يوما.. العرب ماضون في تيههم يسيرون في طريق مجهول لا يأخذ للمستقبل الذي حلمنا به.
صورة ليست جميلة، فالنظام العربي الاقليمي برمته يشكو اليوم من معضلة شاملة تطبق على الاقطار العربية برمتها. ولعل توالد المشاكل المتشعبة ما يزيد التيه والاحباط. وفي محاولة لفهم هذا الزمن القبيح، فهناك تحديات استراتيجية يصعب تعدادها والخوض بها، ومن أهم هذه التحديات «الغزو الصهيوني « المتجدد الذي نلمسه مؤخرا والذي توسع و تعمق بكل عنجهية محاولا ً أن» يصهيّن العرب « وهو اخطر ما يواجه العرب على الاطلاق، لأنه يخترق الأمن القومي العربي، ويقضي على ما تبقى من مفهوم القومية العربية و ميثاق الجامعة العربية « الذي وضع عام 1945 لدعم الدول العربية لبعض في حال تعرضها للخطر. وها نحن نرى أنه يدعو للخطر البالغ اليوم متناسياً المستقبل.
بالاضافة، ما يخيف ويفزع اليوم، هو التحدي الاقتصادي ؛ وكما إحصائيات 2000، يبلغ عدد الشعوب العربية 277 مليون نسمة، إلا أن غالبيتهم يعانون من فقر مدقع، أي أن دخل الفرد تحت خط الفقر أي، أقل من دولار واحد. بالإضافة للمشاكل الصحية والتعليمية والتقنية في المجتمعات الحالمة بمستقبل أفضل. ولعل هذا المستقبل يوجد إذا ما توفرت له الاموال، من الاموال الباهظة المتوفرة في الاقطار العربية، والتي نراها اليوم تتسرب بكرم لأمريكا والغرب الطامع بالثروات العربية، لتبدو اليوم كنقمة وليس نعمة بعدما أصبحت تهدد الأمن القومي و تكامل الدول العربية في مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية.
لم أكن متشائمة في يوم ما، وما زلت متفائلة بالنسبة للصراع الفلسطيني الصهيوني ، فهو عملية تحرر وطني سينهي التغوّل الاسرائيلي والتنكيل بالفلسطينيين مهما طال الزمن ، كما سينهي أحلام إسرائيل بحدود ثابتة ترسمها كما يحلو لها وتحت وصاية أمريكية. إن العمل العربي الجماعي والمتكامل، استغله البعض استغلالاً شوّه أهدافه وطموحات الاجيال حتى بات» كل يغني على ليلاه «. إسرائيل مستعجلة في استغلال كل الظروف، من توسع وتطبيع، وخلق الصراعات . نظرة متفائلة ستظل شمعتنا ونحن نعيش في خضم هذا الضياع العربي الذي نأمل أن يعتدل حاله بتعزيز الارادة الجماعية والعودة للعمل من أجل المستقبل. ولعل هذه الكبوات تفتح العيون للمصالح العربية بدل التحيز للعدو بقصد أو غير قصد.