مثل الكثيرين، انهارت دموعي أكثر من مرة، وهم يغنون في( أرب أيدول ) ليس فقط في آخر حلقة من البرنامج الموسيقي الفني المعروف الذي يجذب جماهير واسعة في العالم العربي، كما خارج الحدود . ثارت احاسيسي ومشاعري وتساءلت أكثر من مرة لماذا أبكي، أهذا ضعف لأنني إمرأة، أم حالة إنسانية، أم لعوامل أخرى يشترك الكثيرون بها . ؟
خرجت هذه المشاعر معززة بالدموع الخارجة، من قلوب عامر اليمني ويعقوب، ودندن الفلسطينيين في مواقف انسانية جعلتني أبعد بكائي غير الإرادي كوني امرأة بعد أن بكى كثير من رجال أقوياء مثل هؤلاء الفنانيين وغيرهم . فهذه الحالة إنسانية تحمل الحس والمشاعر الانسانية للمرأة والرجل في الشرق والغرب وفي كل مكان للإنسان الذي يشعر ويحب، أو يشعر ويكره . وفي مثل هذه المناسبات الفنية نرى في تغريدات ومشاركات الكثيرين على وسائل الاتصال من ينددون بمن يفرح ويغني في زمننا الملئ بالدماء والموت، أو بتعليم الشباب الموسيقى، وتسخر من مدارس تعلم الاطفال الدبكة والغناء ويقللون من شأن مثل هذه البرامج في المدارس، بدل تشجيعها وتعليمها . والحقيقة كما أرى، أن أحد أسباب ضعف البرامج والمناهج في مدارسنا منذ الصغر عدم إيلائها الاهتمام، وهي إحدى معيقات التنمية والتقدم لكي يتماشى مع العالم سريع التغير .
الموسيقى والغناء والأناشيد الوطنية والقصائد الغزلية،التقليدية والعصرية، ما هي إلا إحدى منتجات المجتمعات للتعبير عن نبض الإنسان في مجتمعات اجتماعية واقتصادية وسياسية . فقد كانت الأغاني الوطنية مثلا في مصر في إبان ثورة عبد الناصر مستلهمة من روح الثورة والصمود، وتعبر عن معاني الحب والوفاء للوطن . وقد شارك فيها الفنانون والكتاب والسياسيون، نتذكر منهم أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ . وأتساءل، من منا لا يتذكر أم كلثوم وهي تخرج من قلبها واحاسيسها عام 1956 أثناء حرب السويس أغنية “ والله زمان يا سلاحي “ ؟ وغيرها الكثير .
وللعودة لدموعي ودموع مشاهدي( أرب أيدول) في حلقته الأخيرة التي وصل فيها اثنان من شباب فلسطين القابعين تحت احتلال غاشم نبكي معهم من الاحتلال كل يوم . تنافسوا وبصبر مثل صبرهم القوي غنوا ورقصوا وقادوا الجماهير عن قرب وبُعد ليغنوا معهم : “علّوا الكوفيّة علّوأ .. أو” وين عا رامالله .. “ وغيرها من الجديد الذي يؤكد على علم الدولة الفلسطينية الذي رفعوه بالغناء وبلبسه أمام ملايين الناس في العالم . بكيت وغنيت معهم .. وفي الوقت نفسه، بكيت وأنا أتذكر الأسرى الفلسطينيين الصامدين و التوّاقين للحرية وللرقص والغناء وغناء نشيد،” موطني .. موطني . . “ بصوت عالٍ خارج زنزاناتهم، ولرفع العلم الفلسطيني الذي يحلمون به في دولة حرة .
إن القصائد الوطنية والغناء وكتابة التاريخ والتراث وحفظ الأهازيج والروايات الشعبية، لهو مساهمة فاعلة من أجل تلاحم الأحاسيس والمشاعر وإذكائها. هذا البكاء هو غناء وتعبير عن المشاعر الجمعية، وليس الفردية . فلنغني بدموع الألم والأمل دون خجل مجبولة بتغريد العصافير الحيّة ومبروك لابن بيت لحم، ولفلسطين برفع الكوفية التي لم تمت منذ ثورة الثلاثينيات من القرن الماضي، التي قالت تعيش .. تعيش .. تعيش فلسطين .