تحت  عنوان “ المثقف المضطرب “، نشرت “ لجنة التحرير” مقالة في العدد السادس من  نشرة شهرية، تحمل اسم (أنصار الثقافة ) كانت  تصدر عن (النادي الثقافي العربي، في يافا )، عام 1944  أقرا المقالة وكأنها كتبت اليوم ، لما فيها من تشابه في الحال غير المستقر للسياسي أو المثقف العربي، جاء فيها : “ الاضطراب والتردد يسودان حياتنا الفكرية، فالجمهور المثقف منقسم مفكك غريب بعضه عن بعضه الآخر، لا يسنطيع أن يجاري المدنية الحديثة ولا يقدر على إعداد المستقبل المطلوب . …….. فقدنا الصبغة الخاصة التي يجب ان تتميز بها حياتنا وآدابنا ، الصبغة الخاصة التي، يجب ان تتجلى في كل عمل من اعمالنا ، ولعل ذلك راجع الى اتكالنا على الآداب الغربية قبل التعمق في أدبنا القومي .  نعم ، يجب علينا ان نتمسك بتراثنا القديم ونوحد ثقافتنا التي ننهل منها حتى نرتوي بعد ذلك الى الأدب الغربي فننقل منه بلغة صحيحة بعد إمعان فكر وروية  “ .

كلام يوحي بأن المثقفين الفلسطينيين والعرب كانوا ينظرون ويعملون للوصول الى مستقبل أفضل،  دون هيمنة الاستعمار الأنجلو صهيوني الذي عانوا منه منذ صك وعد بلفور، وتحت الانتداب البريطاني  . يبدو أن واقع المثقف العربي والسياسة التي تحكم العالم اليوم، كما الثقافة التي تشكل فكرنا وثقافتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما تزال كما كانت قبل أكثر من نصف قرن  وإن تغير المستعمر وشركاؤه والمصطلحات، وإن لم تتغير المفاهيم والاهداف ,وكما نرى من المستجدات في هذا السياق بزعامة أمريكا لا تساعد على التفاؤل .

المقالة الثقافية المشار اليها، وقعت بين يديّ صدفة، وأنا أقلب الأوراق الكثيرة  في “جواريري “، جاءت متزامنة مع مقالة للكاتب الباحث الجاد ، ( فهد الفانك ) تحت عنوان “ نصف قرن من الهزائم الثقافية “ نشرت في زاويته في جريدة الرأي بتاريخ  15تموز الحالي 2017  . ما  يلفت النظر التشابه في  واقعنا الثابت السلبي في القضايا السياسية والثقافية  والاقتصادية والاجتماعية التي  لها التأثير على الهزائم المتتالية والمستمرة في وقتنا الحالي كما الأمس  . في الأربعينيات من القرن الماضي،  تميزت المرحلة بالركود السياسي والاحباط ، رغم حرص المثقفين  الفلسطينيين والعرب  المساهمة في النشاطات الأدبية ، عبر الصحافة، وبواسطة البرامج الثقافية في الاذاعة الفلسطينية التي استقطبت المتعلمين والمثقفين .  فلم يستطيعوا برسائلهم  الثقافية منع ما جرى من المصائب، التي أدت الى هزيمة العرب وقيام  اسرائيل، بالاضافة لتعقيد المشكلة التي سببها الاستعمار وأفكاره وتسلطه على العقل العربي المضطرب .

وفي هذا السياق، وبالعودة لمقالة د. الفانك يوضح  لنا مفاهيم كانت وما زالت سبب الهزائم الثقافية يستند فيها الى  أراء المثقف المغربي العربي الراحل محمد عابد الجابري .  يرجع  الهزائم الثقافية منذ الخمسينيات الى الانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية  وتأثيراتها  المستجدة،  وقد اصبحت معروفة للمثقفين والسياسيين  وإن تغيرت المفاهيم والتسميات ، وهي :  النظام العالمي الجديد والليبرالية، والسوق العالمية،  والعولمة، والانفتاح ، وصراع الحضارات، والمجتمع المدني، والتنمية البشرية المستدامة، والارهاب، والتحرر الوطني  وغيرها من التسميات .

 إن  استمرار السياسية الإمبريالية العالمية، وأهمها العولمة، وسياستها وتأثيراتها عابرة الحدود، لم تبق خصوصية ثقافية نعمل لترسيخها بثقافة أصيلة منفتحة على العالم دون خوف . وما جاء في مقالة”  المثقف المضطرب”  التي كتبت في الأربعينيات من القرن الماضي، ينطبق على حالنا الثقافي اليوم  الذي يولد الهزائم الثقافية، وما يتبعها  من تأثيرات على الفرد والمجتمع  .  موضوع سيستمر تداوله  لسنين طويلة قادمة  من أجل التخلص من أسباب هذه الهزائم السياسية والثقافية المستمرة وكما في مقالة الفانك اليوم إذا لم نعمل على إصلاح الحال  : “ ليس كل مستورد جميلا ويتوجب اقتباسه، أو قبيحاً يتوجب اجتنابه، فمن حقنا ان نكون ونظل أبناء العصر، نتعلم ونستفيد من تجارب الآخرين ، ونحسب على الثقافة العالمية، شريطة أن تكون لدينا تجاربنا الخاصة، وإسهاماتنا في ثقافة العالم نأخذ، ونعطي  “ .

المصدر

Leave a Comment

Comments

No comments yet. Why don’t you start the discussion?

Comment