حالفني الحظ بقراءة كتاب بنات عمان ايام زمان للدكتورة عايدة النجار، وقد جاء في اسلوب رشيق شيق ممتع، زاخر بالمضامين القيّمة ذات الأبعاد التربوية التي تأخذ باهتمام القارئ، وتشده للتمعن بكل ما جاء فيها من معلومات تتناول ذاكرة الزمان والمكان في تلك الحقبة الخمسينية من الزمن الماضي الجميل، ذاك الذي عمدت د.عايدة توثيقها واخراجها الى حيز الوجود بتلك الصورة المشرقة التي كانت تتصف بها في تلك الآونة، ويجهلها الكثيرون من ابناء الجيل الحالي، ولتظل جسرا يصل الماضي بالحاضر، تلك الحقبة كانت قد اخذت طريقها الى الاضمحلال والاندثار بين طيات النسيان..
تجولت بين سطور الكتاب، وتسللت الى بيدر ذكريات ذاك الزمن الجميل الذي اولجتنا د.عايدة ابوابه التي شرعتها على مصراعيها، وتركتنا نجوب دروبه المزروعة بأروع الذكريات وأحلى اللحظات.. تأججت عواطفي وأنا امخر عباب الماضي العابق بشذا الخير وطيوب الانسانية من خلال مفردات الكتاب، التي سطرتها وسردتها الدكتورة بسلاسة وتفاصيل دقيقة، ووصفت فيها روعة العديد من الأماكن، منها الأثرية التي يشهد التاريخ على وجودها وقيمتها التراثية …
اخذتني عايدة وحلقت بي في آفاق الخمسينات اذ كان الناس يتسمون بالشهامة والقناعة والحميمية، تلك المواصفات التي يفتقر لها ابناء وبنات هذا الجيل الذي تزدحم ايامه بالفوضى والغموض . وحط بنا المطاف وسط عمان القديمة المتميزة بالعراقة والأصالة فأخذت اتجول في شوارعها العتيقة وأزقتها الضيقة، وأتسلق ادراجها الطويلة التي تصل البيوت والشوارع ببعضها البعض، سلكت طرقاتها الهادئة.
وزرت مكتبة الاستقلال التي اصبحت معلما حضاريا من معالم الأردن… حثتني مفردات د.عايدة الموشاة بحلو الكلام وجمال الوصف وروعة المعاني للقيام برحلة بالباص الى بلدتي الرصيفة والزرقاء،مرورا بطريق المحطة، تلك التي تصطف البساتين المزدانة بالأشجار والخضروات على جانبيها . فوصلت الى الرصفية والزرقاء المزهوتين ببساتينهما الزاخرة بالاخضرار والأشجار والورود، ومياه السيل الرقراقة الذي كان يخترقهما اذ كانت تلك البساتين قبلة المتنزهين لقضاء العطلة الأسبوعية بين جنباتها، وقد باتت في هذه الأيام منطقة صحراوية تكتظ بالمباني الحجرية والاسمنتية تفتقر لكل معاني الجمال .
عدت ادراجي الى عمان الحبيبة لتحملني عايدة من خلال السطور على اجنحة الشوق الى مدرسة اروى بنت الحارث، تلك التي ضمتني بين جدرانها طوال الفترة الدراسية الابتدائية، ثم الى مدرسة الملكة زين الثانوية التي قضيت وزميلات الدراسة بين احضانها اجمل ايام حياتنا، فالتقيت هناك بمديرتي ومعلماتي وعدد من الطالبات رفيقات الطفولة والصبا اللائي كن يتحلين بالشقاوة والنقاء والأنوثة، تكسو البراءة وجوههن المشرقة،، يتقيدن بالعادات والتقاليد حسب ما كانت تقتضيه العادة في ذلك الزمن، والتي لم تكن قيدا صارما يحول بينهن وبين ممارسة حقهن في الحرية ضمن حدود المعقول، وكذلك لم ينلن حق الاختلاط في الصفوف المدرسية كما هو حال بعض المدارس في هذه الأيام.
ثم اطلعتنا الدكتورة على ما توصلت اليه معظمهن بعد دراستهن الجامعية، وحصول الكثيرات منهن على الشهادات العليا والمراكز الكبيرة التي تبوأنها وهكذا توصلت الى الحد الذي تمكنت من الكتابة عنه، ولديّ الكثير الكثير مما كان بودّي قوله عبر مقالي هذا، لكن المساحة المتاحة للمقال لم تعطني الحق في ذلك …
لقد اجادت د.عايدة وأبدعت في سرد وتسطير ما جاد به قلمها وذهنها. وما كان من وراء القصد فيما جاء بين طيات الكتاب وسطوره، هو القيم السامية. والمثل العليا. والمبادئ الرفيعة التي علينا الالتزام ببثها وغرسها في نفوس ابناء الجيل الحاضر والأجيال القادمة… فطوبى للدكتورة على ما بذلته من ابداع خلاّق وجهد كبير في سبيل اخراج كتاب”بنات عمان ايام زمان”الى حيّز الوجود .
صباح المدني