د. هدى أبو غنيمة – بين دفتي كتاب د.عايدة النجار «عزوز يغنّي للحب» عالم ثري بإنسانيته، تتجلى في قصصه حياة الشعب الفلسطيني، ومعاناته وصموده ودفاعه عن هويته في مواجهة التعصب العنصري والحقد اللذين يسلبان البشر والشجر والحجر حقوقهم بالحياة والبقاء على الأرض.
تتميز هذه القصص ببعدها الإنساني وشفافية رسالتها الحاملة لنداء الحرية وحق الإنسان في العيش على أرضه بسلام، إلى الضمير العالمي.
تتراسل الحواس في قراءة هذه المجموعة، كأنها تتلقى ألوان لوحة وصور، وإيقاع قصيدة، وألحان الأهازيج الشعبية الاحتفالية الثرية بمفردات الأرض والهوية، وتعبق رائحة الأرض معتقة بالأصالة مثل عطر البرتقال والليمون الذي فاح من زجاجة العطر هديةَ عرس الجدة قبل الرحيل القسري عن الوطن. زجاجة العطر التي احتفظت بها الجدة سنواتٍ طوالاً لتهديها إلى حفيدتها في عرسها ولم تنكسر رغم دوامة الغربة والتهجير.
تستدعي الكاتبة بأسلوب مرهف وممتع للكبار والصغار، مفردات الأرض والهوية نضرةً متألقة مفعمة بصور الحياة اليومية تحت وطأة الاحتلال، مبرزةً بشفافية بعيدة عن الهتاف والمباشرة بشاعةَ حقد الاحتلال وعنصريته وهو يقتلع الإنسان الفلسطيني من أرضه ويبعثر عظام أجداده وهو يهوّد الأرض.
أبرزت الكاتبة ذلك بالمقابلة بين براءة الأطفال وقسوة الجلاد، كما في قصتَي «رحلة ملونة إلى السماء»، و «عيد ميلاد ندين»، بين شموخ وجمال ورقة أشجار البطم والسريس والغار والزيتون رمز السلام في «بلعين»، وبين عدوانية الجلاد حامل السلاح.. بين ثغاء الخراف بلحن شجي، وغيظ الجلاد القابض على روح الصحراء، وتدميره لكل مظاهر الحياة.. وبين غناء العصافير ونعيب الغراب.
كما تبرز في كل قصة صلابة المقاومة، وإرادة الحياة، فالطفلة «جميلة الهباش» التي فقدت ساقيها في الهجوم على غزة، يحملها الهواء على ظهره ليهديها جولة فوق غزة قائلاً لها: «ساقاك طويلتان؛ أقوى من الرصاص المصبوب». وفي «غناء حارة الياسمينة» تتداخل روائح المدينة العتيقة في الليل والنهار، في الليل البارد تتدثر بعطر الياسمين، وفي النهار يغسل الصابون النابلسي الهواء، ليحمي العطر من رائحة حقد قديم.
في قصة «عزوز»؛ الكناري الحزين لفراق الحبيبة ذات الرداء الأحمر التي قاسمته قصرا من هواء ونور، ولم يستطع إنقاذها في مجزرة جنين، وفداها بأحد الجناحين، فيعود إلى المكان المحروق يبحث عن جناحه المفقود، وعن أطفال الحارة الذين احترقوا مع طيور شواها القصّاب، ويصفق العاشق بجناحه الوحيد محاولا الطيران، ويغنّي لأول مرة منذ زمن بعيد بصوت أزرق مسموع.
أترى؛ ألم يستعد عزوز جناحه المحروق بالكلمة المجنّحة ليطير إلى العالم حاملاً مأساة وطن وشعب يحب الحياة ويُشْهر إرادتها في وجه أعداء الحياة.