قبل عام من اليوم كنت في القدس العتيقة بعد غياب طويل طويل… دخلتها من باب العامود من القدس خارج السور… شعور عميق بالغربة والضياع انتابني. صبرت على غيظي، وأنا أبحث عن المدينة داخل الأسوار التي تعاني من شوقها لنا، كما شوقنا لها. وتساءلت، لماذا هذا الشوق الدائم، رغم إغراءات المدن الأخرى التي نعيش فيها أو نزورها؟ وجاء الجواب المباشر، لأن القدس، ومعالمها التاريخية والدينية داخل السور في خطر.
ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لا يعرف عن القدس وتاريخها إلا خطة رسمتها إسرائيل زوراً، وهي هدم المسجد الاقصى واقامة الهيكل المزعوم، لتكون عاصمة إسرائيل الأبدية رغم أنف التاريخ والحق.
القدس لمن لا يعرفها مثل ترمب: داخل الأسوار، مكان عمرانيّ حضاري له ميزات خاصة، لا مثيل لها في مدن العالم. بلدة تضم بين اسوارها الديانات السماوية. أبوابها لا تسمح بدخول المعتدي عليها لاستعمارها والتفرد بها، فالاسوار التاريخية يمكن إغلاقها وفصل القدس القديمة عن القدس الجديدة.
بيوتها القديمة لا تزال تشير الى الحضارات المختلفة والأنماط التي بنيت في حقبات تاريخية متتابعة، وكأنها متحف يضم تاريخا قطعه فسيفسائية ثمينة. تراث حضاري، ورثه الشعب الفلسطيني واحتضنه وحافظ عليه طوال السنين رغم ما مر عليه من المعارك والحروب والكوارث الطبيعية التي شوهت أو أزالت بعض المعالم الاصيلة.
توسّعت القدس خارج الأسوار، ونمت المدينة الجديدة على نمط النماذج الغربية للسكن وبقيت القدس العتيقة تقوم بدورها الرئيس الاقتصادي والثقافي والديني والسياسي، بينما ولدت أحياء جديدة منها، البقعة والقطمون والطالبية واليونانية والمصرارة والشيخ جراح ووادي الجوز، تحت الانتداب البريطاني، حيث وضعت خطط للتطوير، بالإضافة للحفاظ على المدينة القديمة داخل الأسوار وعدم البناء فيها.
على أثر النكبة عام 1948 قسمت القدس الى” شرقية وغربية “ ضمت الشرقية الى الاردن. الاحتلال الاسرائيلي 1967. أصبحت القدس أسيرة للممارسات الاسرائيلية الاستعمارية. أقامت اسرائيل فيها تغييرات منها بتوسيع الحي اليهودي، ودمرت حيّ المغاربة ومنشآت سكنية وتجارية لتغير الصبغة التاريخية للبلدة القديمة. التغييرات لتهويد المدينة وتزوير التاريخ ما يجعل العملية بمساعدة أمريكا عملية استعمار واستيطان وقح يتم والقدس قانونياً لا تزال تخضع للاحتلال، سواء أكانت البلدة القديمة أو القدس خارج السور.
ولعل إعلان القدس عاصمة لاسرائيل وبأسلوب استفزازي مستمر من ترمب رئيس الولايات المتحدة الذي سينقل سفارته للقدس، لدليل على مواصلة تحقيق خطة إسرائيل وأحلامها لاقامة الهيكل المزعوم مستمرة، واهدافها لتفريغ البلدة القديمة ممن تبقى فيها، هدفها الذي لم تَحدْ عنه.
فاسرائيل وبوقاحة تواصل استفزاز العالم العربي والاسلامي وهي تقوم بربط أحياء الوجود اليهودي بالدين والقومية ذات الابعاد العقائدية. اسرائيل لتحقيق مخططاتها للقدس منذ سنين بالاستيلاء على الأراضي حول القدس ومصادرتها من اجل بناء المستوطنات لتغير طابع القدس داخل لاسوار وخارجها لن تتوقف إلا بانهاء الاحتلال.
القدس في خطر في هذا الوقت، أكثر من أي وقت مضى، وترمب أمريكا يعيث في المنطقة فساداً وتقسيماً ويتحدى العرب والمسلمين، وقد أعلن رسمياً عن نقل سفارته للقدس. الأيام القادمة تنذر بالكثير من المستجدات الخطيرة المتعلقة بالقدس.
والسؤال دوماً ما العمل؟