ضمن فعاليّات برنامج “فلسطين عبر الحضارة والتاريخ”، الذي تقيمه مؤسّسة خالد شومان “دارة الفنون” في العاصمة الأردنيّة عمّان، تزامناً مع مرور 100 سنة على صدور وعد بلفور المشؤوم، و70 سنة على قرار التقسيم، و50 سنة على احتلال القدس، يستمرّ معرض “بدايات الصحافة الفلسطينيّة”، الذي يمتدّ من 11 نيسان إلى 11 أيّار الحالي، ليوثّق حقّ الشعب الفلسطيني التاريخي على أرضه.
ويتضمّن المعرض وثائق من أرشيف الصحافة الفلسطينيّة، والتي تبرز الدور النضالي الذي لعبه الصحافيّون والمثقّفون الفلسطينيّون في مواجهة الاستعمار، منذ العهد العثماني مروراً بالانتداب البريطاني، حتّى نكبة العام 1948، كما يصوّر الاهتمام والوعي السياسي للشعب الفلسطيني على مدى أكثر من مئة عام.
و قدّمت الباحثة د. عايدة النجّار محاضرة تناولت تاريخ الصحافة في فلسطين، وعلاقتها بالحركة الوطنيّة والزعامات السياسيّة منذ العام 1908، حيث سمح الدستور العثماني بصدور الصحف العربيّة، والتي كان من أبرزها جريدة الكرمل، التي أسّسها نجيب نصّار، والذي كان أوّل من حذّر من الأطماع الصهيونيّة المتعلّقة بمحاولات الاستيلاء على الأراضي.
و أشارت النجار إلى أنّه قبل صدور جريدة الكرمل أنشئت جريدة الترقّي في العام 1907، بيد أن توثيق الصحافة الفلسطينيّة بدأ بعد إجراء التعديلات على الدستور العثماني، ما أتاح صدور 15 صحيفة، 12 منها في القدس، و3 في حيفا، ليصل عدد الصحف الفلسطينيّة إلى 36 صحيفة قبل الحرب العالميّة الأولى.
وأوضحت أنّه حتّى ذلك الحين لم تكن هنالك أيّة صحيفة تنشر باللغة العبريّة، نظراً لقلّة عدد اليهود في فلسطين، وعدم إلمامهم بتلك اللغة البائدة.
وفي العام 1911 تأسّست جريدة فلسطين، لصاحبها عيسى العيسى، التي كانت أوّل جريدة استطاعت منافسة “الكرمل”، والتي انضمت إلى الصحافة الأردنيّة بعد النكبة، لتتحوّل إلى صحيفة الدستور، تقول النجّار، لافتة في ذات السياق إلى أنّ معظم الصحف كانت تقدّم طلب الحصول على التراخيص الرسميّة بوصفها صحفاً أدبيّة، للتغطية على أهدافها السياسيّة.
ومن أهمّ المجلّات التي صدرت في ذلك الوقت مجلّة المنهل (في العام 1913) وتألّف عددها الأوّل من 40 صفحة، ما يعبّر عن الاهتمامات الواسعة للمثقّفين الفلسطينيّين، وفقا للنجّار التي أكّدت تنوّع الصحف والمجلّات الفلسطينيّة، حيث غطّت كافّة المجالات السياسيّة والأدبيّة والفنيّة والثقافيّة وحتّى العلميّة.
ومن اللافت الكمّ الكبير للإنتاج المعرفي الفلسطيني وتنوّعه، رغم ارتفاع نسبة الأميّة، وفي هذا الصدد تحدثت النجّار عن الكيفيّة التي كان فيها أهالي فلسطين يتلقّفون كلّ من يمرّ في طريقهم من الطلبة ليقرأ لهم الصحف، خاصّة في عهد الانتداب البريطاني.
وعند صدور وعد بلفور، تقول النجّار، كانت صحيفة “الديلي اكسبرس” هي أوّل من نشر النبأ المشؤوم، حيث أحجمت الصحف العربيّة آنذاك عن نشره، بيد أن جريدة المقطّم المصريّة، والتي كانت تتعاون مع سلطات الاحتلال البريطاني، نشرته بعد ذلك. وبعد نشر نصّ هذا “الوعد” هاجمت الصحف الفلسطينيّة سياسات الانتداب بشراسة، ولكن الأخيرة قامت بتشديد قبضتها الأمنيّة ورقابتها على الصحف، حيث أنشأت مكتباً أمنيّاً خاصّاً لمتابعتها، وقامت بإغلاق عدد كبير منها.
وتضيف النجّار إن عدد وسائل الإعلام الفلسطينيّة في عشرينيات القرن الماضي وصل إلى 44 صحيفة ومجلّة، بالإضافة إلى الدور الهام الذي لعبته الإذاعة، خاصّة في الشأن الثقافي، كما برزت الصحافة اليوميّة، والتي كان من أبرزها جريدة الصراط المستقيم في العام 1925، وغيرها من صحفٍ عكست تنوّع الاتّجاهات السياسيّة في فلسطين.
وتتابع: عندما قام رئيس الوزراء البريطاني آرثر بلفور بافتتاح الجامعة العبريّة في فلسطين وضعت الصحف الفلسطينيّة كلّها شارات الحداد، كما هاجمته صحيفة الكرمل بضراوة، في عددها الصادر يوم 27 آذار في العام 1925.
كما برزت صحيفة الشورى في القاهرة، والتي أنشأها صحفي من مدينة نابلس، حيث كان ينشر مقالات الأسرى باستمرار، والذين كان يلقّبون بالأحرار، في كافّة وسائل الإعلام الفلسطينيّة، التي لعبت دورا هامّا خلال ثورة القسّام.
وقد شهد العام 1930 موجةَ غضب جامحة سجّلتها الصحافة الفلسطينيّة التي كشفت وحشيّة الاحتلال البريطاني حين قام بإعدام الشهداء محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، وكان ذلك بعد سنة من اعتقالهم إثر هبّة البراق في العام 1929.
وفي العام 1933، تصدّى الصحافيّون لممارسات الانتداب القمعيّة واستمراره بإغلاق الصحف، حيث نظّموا مظاهرات واسعة، واستمرّوا في فضح سياسات الاحتلال، وتحريض الرأي العام الفلسطيني، إلى أن حلّت النكبة، حيث اندمجت معظم وسائل الإعلام الفلسطينيّة بالإعلام الأردني، إثر قرار ضمّ الضفّة الغربيّة للأردن.