هذه مطلع قصيدة لا أدري لماذا أتذكرها كلما سمعت كلمة “ الشباب “ .
قالها الشاعر اللبناني بشارة الخوري “ الأخطل الصغير “ في منتصف القرن الماضي , لشحذ همم الشباب والروح الوطنية لديهم, لتصبح نشيدا ردده الكبار والصغار بعدما عاث المستعمر في البلدان العربية تقسيما واستعمارا وأطماعا لخدمة أغراضه السياسية والاقتصادية.
كانت أحلام وطموحات الشباب آنذاك الاستقلال في أوطان حرة . فهي إحدى القصائد التي شاعت في ذلك الزمن في: فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر . قام بتلحينها وعزفها الأخوان فليفل اللذان اشتركا بوضع النغم الجميل المناسب لإبقاء العزيمة قوية . في هذه الأيام لا تبدو الأناشيد -إن وجدت – إحدى الوسائل الناجعة لتحريك مشاعر الشباب وتعزيز تربيتهم الوطنية والسياسية .وإن كانت القضايا الوطنية ما زالت متشابهة، لا بل ازداد واقعها سوءا . ونرى بالتالي أن وسائل أخرى اقتحمت عالم الشباب للتأثير عليهم بشكل أسرع وقد يكون أقوى وهي التكنولوجيا الحديثة التي توزع الأناشيد و الأغاني الإسلامية والعربية والأجنبية , على نطاق واسع بما فيها من صالح طالح .
لم أقصد في هذه المقالة أن أتناول موضوع “الأناشيد الوطنية” بشكل خاص لأنه موضوع مهم وله خصوصيته , بل موضوع الشباب بشكل عام . فقد أصبحت الاستراتيجيات والخطط أهم القضايا لوضعها على الأجندات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، أملا بالوصول الى قدرات فاعلة في “ بناء الوطن “ . فالشباب اليوم يشكلون , حوالي 65% من مجموع السكان في الأردن كما تشير الإحصائيات، ما يدل على ضرورة إيلاء هذه الشريحة أهمية خاصة أننا نعيش في عالم سريع التغيّر .
و لا يمكن للشباب في أي بلد أن يظل بطيء التقدم في خضم ما يجري من مشاكل , اقليمية ودولية , تؤثر على الأفراد والجماعات سلبا وايجابا .
نجد اليوم خططا وبرامجا تسعى لتفعيل دور الشباب اجتماعيا وذلك بتمكينهم للاشتراك في البرامج الإنسانية والتطوعية بعدما أصبح العالم ماديا يأخذ الانسان للاهتمام فقط بما يعود عليه بالفائدة والمصلحة الشخصية .
ومثل هذه البرامج -إن نجحت- فهي ستكون إضافة الى أهداف تنموية , يشارك الجميع بتحقيقها . كما يقوم المخططون للتنمية السياسية بتشجيع الانخراط بالأحزاب السياسية “ بعد خراب البصرة “ أي بعد عقود ليست قليلة أبعدوا عنها بشكل مباشر أو غير مباشر .
وبهذا فقد اختلط الأمر بين العمل الفردي والجماعي , وأيضا لكثرة ما يناقش من مفاهيم اقليمية ودولية حول الديمقراطية التي أصبحت تُفسَّر لتخدم مصالح حاصة أكثر منها وطنية .
ولا ننسى الثقافة و دورها في التربية والتعليم والإنتاج الأدبي والفني , فرغم المحاولات لإنزالها من البرج العاجي إلا أنه أيضا تبقى بحاجة الى تفعيل وتحفيز للمشاركة دون اللجوء الى نشيد خاص .. وبالرغم من أنني لست بصدد تحليل ما جاء في “النشيد “ بسبب قدمه , وتغيير الجغرافيا العربية والتاريخ فيبقى هناك مقطع لا يزال مهما ومفيدا لحفظه , لأنه يشمل الأهداف التي ننشدها اليوم أو في المستقبل : نحن الشباب – “السفح والجداول / والحقل والسنابل … وما بنى الأوائل /نحن له معاقل ….الدِّين في قلوبنا / والنور في عيوننا …والحق في يميننا / والغار في جبيننا ….. نحن الشباب .. “ وكما نرى لا بد من وجود زوّادة للشباب فيما وضع من علم وثقافة كمرجع , لحب الوطن مثل قصيدة إبراهيم طوقان الخالد( موطني ), ,وليقرأوا المعاني العميقة ودور الشباب بصناعة الوطن كما في أحد المقاطع : “ موطني , الشباب لن يكل / همه أن يستقل أو يبيد … نستقي من الردى / ولن نكون للعدى كالعبيد .. لا نريد .. ذلنا المؤبدا / وعيشنا المنكَّدا … لا نريد , بل نعيد . مجدنا التليد … موطني ؟ . كلام ليس للشعراء فقط، بل للشباب دوما . أليس كذلك ؟