الإنسان متشابه اينما وجد توحده حركة متتالية ، الولادة والعيش ثم الموت ، الاختلاف هو في الاحداث التي يمر بها في سنين عمره المختلفة التي يعيشها ويختزنها في ذاكرته ووجدانه في المراحل المختلفة ، وهذا ما يجعل حياة الانسان كرواية هو أحد ابطالها الكثر المتأثرين بأحداث وشخصيات وبيئات مختلفة . هذه الأفكار داهمتني وأنا أسمع نشرة الأخبار الصباحية اليوم عن خبر قد لا يكون له أهمية للكثيرين “ وفاة الممثلة فيروز “ الطفلة التي ابدعت ، وبخاصة انها انقطعت عن التمثيل منذ أواخر الخمسينيات وقبل أن تصبح ممثلة ناضجة ، لتقوم بأدوار اغراء أو حب كما ممثلات السينما .. الخبر عن وفاة الفنانة المصرية فيروز عن 72 سنة ؟ لفتني موتها الطبيعي – بعد أن كنت قد نسيتها تماما – حزنت عليها رغم حزني المتجدد كل يوم على اولئك الاطفال والنساء والرجال الذين يموتون في حروب عالمنا العربي -المتواصلة من المحيط للخليج مع بعض فترات مؤجلة – وهو يتكئ على أحلام الربيع العربي علّها تتحقق . فيروز البنت الصغيرة المولودة من أسرة أرمنية في مدينة حلب السورية كانت صديقتي عن بعد في مرحلة من عمري وقد اسعدتني في أدوارها الانسانية الاستعراضية وهي تمثل مع الممثل الذي لفت نظرنا عندما كنا في سن المراهقة في الخمسينيات . وما زلت أتذكر بعض أدوارها الطفولية “ عصافير الجنة “ وخاصة عندما تسللت مع صديقتي فتوى المفتي رحمها الله لحضور الفيلم في سينما الأردن بعد المدرسة .
الحزن يجر الحزن كما يبدو والذاكرة تنشط وتتحرك بفعل حركة الحياة .أو بفعل تذكر شخصية حقيقية من لحم ودم حتى وإن كانت عابرة، وليست بطلة رواية طويلة أو حقيقية .. كانت الطفلة الممثلة موضوعا ثقافيا وفنيا أسعدنا نحن الصغار انذاك خارج منهج التعليم دون ان ندري ، وإلا كيف أفسر حزني على الممثلة التي نسيتها ، وإذا بها اليوم تأتي لتحرك مشاعر سعادة غائبة بالاضافة لمشاعر حزن وحنين على صديقة عزيزة تشاركنت معها بالذهاب للسينما لنشاهد فنانة صغيرة ، وربما أكثر لمشاهدة الرجل أنور وجدي الممثل المعروف آنذاك . وفاة فنانة بالنسبة لي حزن مؤقت ، ولكنه حرك حزنا دفينا .
الخبر الذي حرك الماضي ووصله بالحاضر هو العلاقات الانسانية التي تربط الانسان بالآخر مثل رباط الصداقة والحب والعلاقات الاجتماعية بين الناس . فيروز الممثلة الطفلة التي اسعدتني وهي ترقص وتغني ، أعادت لي أيضا ذكرى صديقة عزيزة توفيت قبل عام في أمريكا في هجرتها مع زوجها وأولادها . وفي غيابها كتبت كتابا عن عمان المكان والانسان عنوانه “ بنات عمان أيام زمان : ذاكرة المدرسة والطريق “ يحمل الغلاف صورتنا معا بمراييل المدرسة في الخمسينيات ، عندما حضرنا الأفلام البريئة مع بعض في مرحلة تكوين الشخصية .
حزنت على وفاة البنت الفنانة التي أعجبت بها ، ليست لأن وجودها في ذاكرتي هو الأعمق ، بل لأنها حركت مشاعر صداقة انسانية لم تمت لصديقة كان لنا تاريخ هام من عمرنا فيه زمالة وصداقة حقيقية . بالاضافة لذلك فقد حركت مشاعري المعتقة لعمان المكان الذي كان غيره اليوم وكان له مكان فينا كما نحن فيه . تغيرت الشوارع والعمران ونمط الحياة ، بما فيها بيتنا في جبل عمان التي كانت جديدة ليصبح في عمان في حدود المنطقة التراثية . إن حياتنا كما يبدو لي ما هي ملحمة ذاتية ، تفاصيلها مرتبطة بحياة الانسان وما فيه من كائنات عادية لها خصوصيتها نعيشها من مدة لأخرى بحلوها ومرها رغم اعتقادنا أنها اصبحت من الماضي المنسي . أليس كذلك ؟ .