كبر الأردن وكبرت عمان، وتغيرت المعالم لتصبح مدينة كبيرة مترامية الاطراف طلع أهل عمان من القاع للجبال السبع، وأتى إليها من الريف من استوطن المدينة، وشارك في صنعها. تغيرت عمان في الكثير من المعالم العمرانية وسلوكيات الناس ووظائفهم وطموحاتهم. ولكن يبقى هناك الكثير لم يتغير في الوقت نفسه، وكما ارى وأنا أتجول في وسط البلد أو قاع المدينة..
توقفت عند أكثر من محل لي ذكريات فيه، وبحثت عن ناس ومحلات رحلت، وأصبح من يسكن محلها لا يتذكر الساكن أو المالك السابق، وهذا طبيعي في التحولات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات والعمران و انتقال الناس من الريف للمدينة. أوقفني سائح أجنبي وصحبه المكوَن من ثلاثة أفراد وسألوني وهم يقرأون من منشور سياحي عن مطعم هاشم، وفرحوا أنه كان قريباً. سياح أتوا من برطانيا ليأكلوا الحمص والفول عند مطعم بعينه، مما اشعرني أن ثقافة التراث ما زالت تجذ ب الزوّار للأردن البلد الصغير، كما مصر العريقة بتراثها التاريخي والثقافي منذ زمن الفراعنة. وهنا لا بد أن أتوقف عند ثقافة الطعام في عمان التي اصبحت معروفة، بأنواع أطباقها الشعبية التقليدية كما في البلدان العربية فثقافة الطعام والملبس والعادات والتقاليد عناصر هامة لرسم الخصوصية والهوية. ففي فلسطين الحمص والفلافل التي تدعي اسرائيل أنه من تراثها، كما تدعي أيضاً أن الثوب الفلسطيني المطرز الذي سرقته والبسته لمضيفات العال. وفي هذا السياق، وما يتعلق بثقافة الطعام، تتباهى فرنسا برغيف الخبز المسمى» بالباجيت «، وقد وضع على قائمة التراث العالمي غير المادي بالاضافة فخرها بأنواع الأجبان التي تزيد على الثلاثمائة وفي كل بلد طبق ولباس وثقافة وطنية تعزز الهوية التراثية.
توقفت عند محل لبيع التذكارات التي يقبل عليها السياح في السوق الذي اشعرني بحميمة المكان في عمان. الرجل الذي يجلس في المعبر يتزاحم علية المشاهدون من أهل البلد ومن السياح وهو يرسم بالرمل الملوّن صورة الجمل الحصان أو الأسماء بأسلوب فني متقن. سأ لني سائح أمريكي اسمه جون أن أكتب اسمه بالانجليزية والعربية، بالإضافة لاسم ابنته وزوجته لكي يرسمها « الفنان « في» زجاجات رمل الأردن « وكان سعيداً أنه سيحمل هذا التذكار لبلد لا يعرف هذا الكار» الفن « الشعبي الجميل. كان السياح كما أذكر يشترون تذكارات من الجِمال المصنوعة من خشب الزيتون بالإضافة لمجسمات دينية من الصدف.
عمان اليوم الحداثية التي تغيرت عن أيام زمان، ما تزال تجذب الزوار الذين يبحثون عن الجديد /القديم المختلف عن المألوف، ولعل المهتمين بهذا القطاع يشجعون ويحفزون المبدعين، لايجاد مواد تحمل معها عمان الى الخارج كذاكرة كما في تجربة رمل الصحراء وكتابة «الاسم بالعربي» داخل الزجاجة، ليفاخر حاملها انها تذكر بمكان أحبه.